روي أن عمر قال حين نزلت يا رسول الله: نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال عليه السلام « تنهونهن عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهم وبين النار » | أخرج ابن المنذر والحاكم في جماعة آخرين عن علي كرم الله وجهه أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم |
---|---|
وقد روى أن أدناهم منزلة من يكون نوره بقدر ما يبصر موطئ قدمه، لأن النور على قدر العمل وروى أن السابقين إلى الجنة يمرون على الصراط مثل البرق، ويمر بعضهم كالريح، وبعضهم يحبو حبوا ويزحف زحفا، وهم الذين يقولون: « ربّنا أتمم لنا نورنا » | وقد أفادت الجملة الأولى نفى العناد والاستكبار عنهم فهي كقوله: « لا يستكبرون عن عبادته » وأفادت الجملة الثانية نفى الكسل عنهم فهي كقوله تعالى: « وَلا يَسْتَحْسِرُونَ » |
وجىء بكلمة عَسى التي تفيد الطمع في حصول العفو فحسب، مع أن الله سبحانه وعد بقبول التوبة - جريا على سنن الملوك في التخاطب، فإنهم يقولون إذا أرادوا فعلا: عسى أن نفعل كذا، وإشعارا بأن ذلك تفضل منه سبحانه، والتوبة غير موجبة له، وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء، وإن بالغ في إقامة وظائف العبادة.
سورة التحريم هي مدنية، وآيها ثنتا عشرة، نزلت بعد الحجرات | وبعد أن ضرب مثلا يبين به أن وصلة الكافرين بالمؤمنين لا تفيدهم شيئا |
---|---|
كذلك إذا كان جوهر النفس نقيا خالصا من كدورة الكفر والنفاق فمجاورتها للكفرة وعشرتها إياهم لا تغير من حالها شيئا، ولا يؤثر فيها ضلال الضالين ولا عتوّ الظالمين، وضرب لذلك مثل امرأة فرعون التي ألحف عليها فرعون وقومه أن تعتنق الوثنية التي كانوا يدينون بها، وتعتقد ألوهيته هو فأبت وجاهدت في الله حق جهاده حتى لاقت ربها وهي آمنة مطمئنة قريرة العين بما دخل في قلبها من نور الإيمان، وكذلك مريم بنة عمران التي عفّت فآتاها الله الشرف والكرامة، وأنجبت نبي الله عيسى، وصدقت بجميع شرائعه وكتبه وكانت من العابدين القانتين | ثم ذكروا ما يطمعهم في إجابة الدعاء فقالوا: إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي إنك على إتمام نورنا، وغفران ذنوبنا، وكل ما نرجو منك ونطمع - قدير يا ربنا، فاللهم أجب دعاءنا، ولا تخيب رجاءنا |