طالت آلام التويجري وعجزت دموعه أن تطفئ الحريق في نفسه، فقام بعدة رحلات إلى دولة عربية وإلى خارجها، وقادته تلك الرحلات إلى طبيب نفساني التقاه في القاهرة عام 1375هـ، فبعد أن حكى الشاب كلّ ما في نفسه والطبيبُ يكتب ويكتب، التفتَ عليه وقال له: ما قيمة الحياة يا ابني من غير الدين والإيمان بالله؟ لكن تنقصنا المعرفة به ونحن نتخبط بعقولنا القاصرة في طريقنا إليه، نسير ونتعثر، وهذه العثرات هي عبادة لله، لأننا نمشي إليه بتساؤلات عنه وعن عظمته في آياته الكبرى | هذا الموقف سيكون له الأثر الأبرز في حياة الشاب عبدالعزيز، أو سيكون المنعطف الأهم في مسيرته الثقافية والعلمية، إذ بينما هو يسير في الوادي تناهى إلى سمعه صوت رجل مسنٍ حكيم يُردد قول المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وحسبُ المنايا أن يكن أمانيا هذا البيت أوقف الشاب، الذي أدار حواراً طويلاً مع الشيخ الحكيم، فعرّفه بالمتنبي وبأبي العلاء المعري، اللّذين يسمع بهما الشاب لأول مرة في حياته، فسأله عنهما فأجابه الشيخ بما أسرّه وبما وجهه إلى عالمٍ آخر أوسع من عالم القرية آنذاك، ومنذُ ذلك الحين لايزال حواره قائماً مع المتنبي والمعري، حيثُ ظل لهما تلميذاً إلى اليوم يتعلم منهم ويتخلف معهم ويحاورهم ويجادلهم، وقد وثّق حواراته معهم ومناجاته لهم بكتابيه الشهيرين: في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء و أبا العلاء: ضجر الركب من عناء الطريق |
---|---|
اطلع عليه بتاريخ 29 يوليو 2019 | عبدالعزيز التويجري وكأحد المثقفين العرب، كان متفاعلاً مع هذه الأحداث القومية، وقد شكّلت نقطة انعطاف في مسيرته الفكرية وهويته القومية، لذلك حرص الشاب العربي الغاضب من هذا الاعتداء على مقابلة عبدالناصر، وذلك حينما ذهب ومعه ستة من شباب المجمعة إلى مصر، فكان أن التقوا بالرئيس عند مدخل إحدى دور السينما، وقد روي لي الشيخ في حوارٍ مسائي جميل مدى انبهار الشباب، وهم يلتقون الرئيس! وترقية اللواء مدخل بن دخيل الهذلي إلى رتبة فريق |
ترقية الفريق الركن يوسف الإدريسي إلى رتبة فريق أول ركن وترقية اللواء مدخل الهذلي إلى رتبة فريق صدر اليوم أمر ملكي فيما يلي نصه.
25صدر اليوم أمر ملكي بتعيين عبدالمحسن بن عبدالعزيز التويجري نائباً لوزير الحرس الوطني بمرتبة وزير وترقية الفريق الركن يوسف بن علي الإدريسي نائب رئيس الاستخبارات العامة إلى رتبة فريق أول ركن | وقد أثارت عنده شيئاً من المراهقة الذهنية وأوجدت بعض الارتباك لأن ما في الكتيب -كما يقول التويجري- مثير لتساؤلات كثيرة ومجيب عن بعضٍ منها بأجوبة أقل ما أقول عنها اليوم: إنها آتية من فكر بخس لا أملك وعياً كافياً لخطورته آنذاك |
---|---|
وأعرب عن اعتزازه بهذه الثقة الملكية الغالية، سائلاً الله تعالى أن يعينه على تحقيق تطلعات القيادة، وأن يديم على الوطن الأمن والأمان والرخاء والاستقرار | مؤرشف من في 29 يوليو 2019 |
لكن ما بقي معي منه ما زال يبهرني ويذهلني.
29والدته هي نورة بنت حماد العشري من أهالي حوطة سدير، وعاش في كنف جده من أمه الشيخ حماد بن عشري بعد وفاة والده وهو صغير ومن ثم انتقل إلى بطلب من أخيه الأكبر حمد الأخ غير شقيق وعمره عشر سنوات | |
---|---|
في منتصف الخمسينات 1955-1375هـ استقبلت مدن وقُرى نجد أعداداً كبيرة من المعلمين من مختلف البلاد العربية، خاصة مصر، بغرض التدريس في مدارسها، فكانت فرصة ثقافية واسعة لعدد من أبناء نجد، الذين أجروا حوارات ومناقشات مع عددٍ منهم، وكان من أبرز شباب نجد، الذين اشتهر وعُرف عنهم اهتمامهم بالمعلمين العرب، الشيخ عبدالعزيز التويجري، الذي فتح لهم بيته في المجمعة، فغدا منتدى ثقافياً، تُناقش فيه كثير من قضايا الثقافة في التاريخ والأدب والتفسير وغيره، ولقد أنِس التويجري بهذه الصفوة واسنوا به، واستفاد منهم وأفادهم من هذه اللقاءت، التي أضافت إلى رصيده المعرفي والثقافي، ولا سيّما بعد أن بدأ يقرأ ويطلع على صحف ومجلات عربية، وفي تلك الفترة كانت البلاد العربية تموج بحركة نشِطة من الأفكار، خاصة القومية منها، بعد قيام عبدالناصر بتأميم قناة السويس ومن ثمّ العدوان الثلاثي على مصر، الذي ألهب مشاعر المواطنين العرب، وأبرز شخصية الرئيس عبدالناصر كرمز قومي تعاطفت معه وهتفت له الجماهير، حيثُ أظهرت هذه الأحداث البُعد العربي في ثورة عبدالناصر، فكان الالتفاف الشعبي العربي حول مركزية مصر وقيادة عبدالناصر | عن ذلك الشيخ المُسن الحكيم الذي أباح لي باسمه ذات مساء، يقول التويجري: لا استبعد أن الشيخ في اختياره لذلك المكان المعزول في وادٍ صغير مجاور لمقبرة قديمة، أراد أن يخلق لنفسه عالماً خاصاً يؤنسه في غربته الروحية والفكرية، استنتج ذلك من أول صوت سمعته منه، ونظرتي تلاقت مع نظرته وهو ينشد بصوت رفيع: كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً |
روبير عيد عبدالله سعود التويجري، سعود محمد التويجري، تركي حمد التويجري عبدالمحسن التويجري، د.
26