واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم. نسخ آية حبس الزانية في البيت

اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا فَروِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت إِن الله تَعَالَى يخبر الْخلق يَوْم الْقِيَامَة بِمَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا سرا وجهرا فَيغْفر لِلْمُؤمنِ مَا أسر ويعاقب الْكَافِر على مَا أسر وَقَالَ ابْن مَسْعُود هِيَ عُمُوم فِي سَائِر أهل الْقبْلَة وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ لما نزلت هَذِه الآية شقّ نُزُولهَا عَلَيْهِم وَقَالُوا إِنَّه يجول الْأَمر فِي نفوسنا لَو سقطنا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض لَكَانَ ذَلِك أَهْون علينا وَقَالَ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله لَا نطيق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «لَا تَقولُوا كَمَا قَالَت الْيَهُود سمعنَا وعصينا وَلَكِن قُولُوا سمعنَا وأطعنا» فَنزلت الآية وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث ، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني ، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد ، قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين ، ولم يجلدهم قبل ذلك ، فدل على أن الجلد ليس بحتم ، بل هو منسوخ على قولهم ، والله أعلم
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الضحاك في الآية قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب له التوبة ، ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت ، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذاك المَعنَى الإجمالي: يَأمرُ اللهُ تعالى عِبادَه- وذلك قبل تشريعِ حدِّ الزِّنا- بحَبْسِ مَن يَقعنَ في الزِّنا من نِسائِهم في البيوت، وألَّا يَسمحوا لهنَّ بالخروجِ، سواءٌ كُنَّ متزوجاتٍ أو غيرَ متزوِّجاتٍ، بعد أن يَشهدَ عليهنَّ أربعةٌ من الرِّجال المسلمينَ العُدول بوقوعهنَّ في الزِّنا، حتى يأتيَهنَّ الموتُ، أو يجعلَ الله لهنَّ مخرجًا

طريق معرفة النسخ

فالزنا هو أن يقع شيء من تلك المعاشرة على غير الحال المعروف المأذون فيه ، فلا جرم أن كان يختلف باختلاف أحوال الأمم والقبائل في خرق القوانين المجعولة لإباحة اختصاص الرجل بالمرأة.

2
فيض العليم … سورة النساء، الآية: 15
الآية الثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى {لَا يُكَلِّفُ اللَهَ نفسا إِلَّا وسعهَا}:علم الله تَعَالَى أَن الوسع لَا يُطَاق فَخفف الوسع بقوله تَعَالَى وَقد قيل إِن الله تَعَالَى نسخ بآخر آيَة الدّين أَولهَا وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة لمن ذهب إلى نسخ قَوْله وَهُوَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تجَاوز لأمتي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم يكلم بِهِ أَو يعْمل وَعَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ فَهَذَا مَا ورد فِي مَنْسُوخ سُورَة الْبَقَرَة وَالله تَعَالَى أعلم
فصل: الآية الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {وَاللاتي يَأتينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائكُم فَاِستَشهِدوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِنكُم} إِلَى قَوْله {لَهُنَّ سَبيلاً}:
نسخ آية حبس الزانية في البيت
وفي قوله { وليست التوبة للذين يعملون السيئات
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : إذا وقع بين الرجل وبين امرأته كلام فلا يعجل بطلاقها وليتأن بها وليصبر ، فلعل الله سيريه منها ما يحب
الآية الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {وَأَشهِدوا إِذا تَبايَعتُم}:فَأمر الله بِالشَّهَادَةِ وَقد كَانَ جمَاعَة من التَّابِعين يرَوْنَ أَن يشْهدُوا فِي كل بيع وابتياع مِنْهُم الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّا نرى أَن نشْهد وَلَو على جرزة بقل ويروي حزمة ثمَّ نسخت الشَّهَادَة بقوله تَعَالَى وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : الفاحشة هنا النشوز

النساء

وقوله: وَاللَّاتِي في محل رفع مبتدأ.

8
تفسير قوله تعالي: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { واللذان } يعني البكرين اللذين لم يحصنا { يأتيانها } يعني الفاحشة وهي الزنا { منكم } يعني من المسلمين { فآذوهما } يعني باللسان ، بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا ، وليس عليهما حبس لأنهما بكران ولكن يعيران ليتوبا ويندما { فإن تابا } يعني من الفاحشة { وأصلحا } يعني العمل { فأعرضوا عنهما } يعني لا تسمعوهما الأذى بعد التوبة { إن الله كان توابا رحيما } فكان هذا يفعل بالبكر والثيب في أول الإسلام ، ثم نزل حد الزاني فصار الحبس والأذى منسوخا ، نسخته الآية التي في السورة التي يذكر فيها النور { الزانية والزاني
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ..}
الدرر السنية
كما مما ينبغي أن يُستفاد مما يتصل بالنسخ في السنة : أن ما وجدناه من الأحكام غير معلوم التاريخ معارضاً لأحكام جاءت في حجة الوداع أو بعدها إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فما جاء من تلك الأحكام في الحجة أو بعدها ناسخ لِما لم يُعلم لنا تاريخه، لأننا نعلم أن تلك الشرائع بها قد خُتم الدين