فحريٌّ أيها الإخوة في الله أن يلاحظ هذا الأمر، وألا يكون الإنسان متعرضًا للوعيد بسبب نقضه لعهد أو ميثاق، وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يوصي رسله وبعوثه أنهم إذا عاقدوا أو عاهدوا حتى غير المسلمين - أن يكونوا موفين بهذه العقود والعهود، وأن يكونوا مستقيمين عليها، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك، وأن يعيدنا من كل نكثٍ أو غدرٍ أو إخلاف | |
---|---|
؟ ج: في وجوه البرِّ | وأوقف ما تيسر؛ حتى لا يضطر، يكون فقيرًا يشحذ الناس |
أما بعد: فهذا الباب يتعلق بالأوقاف، والأوقاف جمع وقف، والوقف هو تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة، سواء كان الأصلُ أرضًا، أو دابةً، أو سكنًا، أو غير ذلك.
26فالمتاجر حق المتاجرة مَن يحرص أن يُبقي أعمالًا صالحة مستمرة له بعد موته، وهنا نبَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصول هذه الأعمال، فقال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له | |
---|---|
والثاني العلم الذي ينتفع به بأن يعلم الناس ويدلهم على الخير وعلى فعل المعروف فإذا علم الناس وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء, لأن الدال على الخير كفاعل الخير وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة |
فهذا الحديث أيها الإخوة المؤمنون، ينبغي أن يكون حاضرًا في كل أمورك، حتى تكون عاقدًا لهذه التجارة مع الله جل جلاله، فتفوز برضوانه وإحسانه: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له ؛ يقول الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف، وفي هذا فضيلة الزواج لرجاء وجود الولد الصالح، وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع؛ انتهى كلامه رحمه الله، وكذلك قال العلامة السبكي: إن التصنيف في العلم أقوى لطول بقائه على مر زمانه.
1كأنه قد خلد ولداً يدعو له، فيكون ذلك الكتاب معناه أنه خالد وأنه باق، وأنه يمكث المدة الطويلة التي يعود عليه فيها نفعه بعد وفاته بمئات السنين سبب ذكر الولد الصالح وقوله صلى الله عليه وسلم أو ولد صالح أي مسلم يدعو له لأنه السبب في وجوده | اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد |
---|---|
والمقصود أيها الإخوة المؤمنون أنَّ المؤمن ينبغي أن يتأمل في هذه المبادرة، وكل يعمل بحسب ما يستطيع، فلا يلزم من ذلك أموال كثيرة، فلو أن إنسانًا أسهم في بناء مسجد ولو بقدر طوبة واحدة، فإنه يرجى له هذا الثواب والعمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من بنى لله مسجدًا ولو كمَفحص قطاة، بنى الله له بيتًا في الجنة ، وهذا ما يحمل عليه هذا الحديث، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام ضرب مثلًا في سَعة هذا المسجد، وهو أنه على قدر عش الطائر، فإن الله يبني له بيتًا في الجنة، وهذا يحمل على أن الإنسان لو بادر بمثل هذا الحجم من الإسهام في بناء المسجد، فإنه يرجى له هذا الثواب الموعود، فحريٌّ بالمؤمن أن يكون مبادرًا إلى هذا العمل الصالح العظيم، ولذلك بقيت آثار هذه الأعمال الصالحة في أهل الإسلام أوقافًا يُنفق من خلالها على مصالح المسلمين؛ على المساجد، ودُور العلم، وعلى حفظ القرآن، وعلى طباعة الكتب، فلا تزال ديار المسلمين تشهد أوقافًا مما ينفق على الحرمين الشريفين، من قديم وإلى زماننا هذا، ولذلك توجد أوقاف على سبيل المثال في الهند وفي غيرها من البلاد، مما أوقفه أغنياء المسلمين، والمسلم مأمور بأن يبادر إلى هذا العمل الخيِّر، وليس بالضرورة أن يكون فقط على الأعمال من مثل المساجد ونحوها، فإن هذا الخير يشمل أمورًا أخرى؛ كأوقاف للمستشفيات، وأوقاف لمصالح المسلمين بعامة، مما يتعلق بالعلم وتعليمه، وبغير ذلك من الأمور | وهذا معنى صدقة جارية، يعني: الأصل موجود، وثماره تمشي، سواء كانت الثمرة دراهم، أو حبوبًا، أو ثمارًا، أو غير هذا مما يدره العقارُ المُسْبَل |
س: إذا أوقف عمارةً وقال: إيجارها لكم، ولكن إذا متُّ واحتاجها أولادي أخذوها؟ ج: هذا ما هو بوقفٍ، هذا تبرُّع بالأجرة.
25